رياضة

خيول وبنادق وقوارب شراعية: كيف تُنقل المعدات الأولمبية؟

يمكن أن تودي بالرياضي إلى السجن وأصغر هفوة في نقلها قد تسبب كارثة! تعرف على تفاصيل نقل المعدات الأولمبية إلى باريس

future ألعاب أولمبية

إذا كنت تود الاطلاع على نسخة مختصرة من هذا التقرير في شكل مقطع فيديو، فعليك أن تضغط هنا

لا يوجد حدث رياضي أكثر تنوعاً من الأولمبياد على الإطلاق، تطل علينا الأولمبياد في نسخة باريس باثنين وثلاثين رياضة يتنافس من خلالها حوالي 10500 رياضي يمثلون 206 لجان أولمبية دولية.

إذا كنت متابعاً جيداً للأولمبياد فأنت على الأغلب قد اعتدت على متابعة أكثر من رياضة في آن واحد. يبدأ المشجع الأولمبي يومه باكراً، فهناك ألعاب تحتاج لساعات متواصلة لتحديد المتأهل أو البطل، بينما يتخلل تلك الساعات متابعة رياضات أخرى دون شك.

لذا قد تبدأ يومك بمتابعة رياضة الإبحار الشراعي، ثم تنتقل إلى الفروسية، ولا مانع في مشاهدة بعض مسابقات الوثب بالزانة أو الرماية. لكن هل فكرت يوماً، كيف انتقلت معدات تلك الألعاب إلى البلد المضيف؟!

ربما تعتقد أن تلك الخيول والبنادق والقوارب الشراعية وغيرها لا تعني لمالكيها شيئاً ثميناً، فإذا كنت تجيد الرمي فلا مشكلة في استلام بندقية جيدة من البلد المضيف ولتبدأ التصويب.

وهنا تبدأ قصتنا؛ تلك المعدات هي جزء من روح اللاعب الأولمبي، عاش سنوات رفقتها وأصبحت جزءاً من جسده، ودونها لن يتمكن أبداً من خوض منافسة، بل ربما لن يمارس تلك الرياضة مرةً ثانية!

لا يقدر بثمن

برز اسم المتزلج الأولمبي المكسيكي دونافان كاريو كونه الأول في تاريخ بلاده الذي يتأهل للتزلج الحر في الألعاب الأولمبية الشتوية بكين 2022. ورغم أنه احتل المركز الثاني والعشرين، إلا أنه كان محط أنظار محبي اللعبة في بطولة العالم للتزلج على الجليد في مونبلييه بفرنسا، هذا قبل أن يقرر الانسحاب قبل ساعات من بدء المسابقة.

أعلن الاتحاد الدولي للتزلج في بيان للصحفيين أن انسحاب كاريو كان لأسباب شخصية، حيث فقد أمتعته، ومن ضمنها حذاء التزلج الخاص به؛ بسبب شركة الطيران.

وبحسب ما ورد، فقد زُوِّد كاريو بزلاجات وشفرات جديدة تماماً، لكن يبدو أن تلك المعدات الجديدة لم تكن كافية، حيث اعتبر دونافان أن أحذية وشفرات التزلج شيء لا يمكن استبداله، وإذا لم يكن لدى المتزلج معداته الخاصة فقد لا يشعر بالأمان أبداً على الجليد.

تسببت أخطاء شركة الطيران أيضاً في فقدان لاعبة الرماية الأولمبية سارة شيرير بندقيتها الهوائية، حاولت سارة التدرب ببندقية جديدة، لكنها لم تشعر بالارتياح أبداً، وأدركت حينئذٍ أن كل سلاح لديه مستوى من الألفة والشعور غير الملموس الذي لا يمكن لأي مبلغ من المال أن يحل محله أبداً، لدرجة شعرت فيها بعدم قدرتها على ممارسة نفس الرياضة مجدداً، هذا قبل أن يُجمَع شملها مع بندقيتها المفقودة بعد عام تقريباً.

حسناً يتضح لنا من قصتي كاريو وسارة مدى أهمية المعدات للاعب الأولمبي، ويتضح لنا أيضاً أن الرياضيين وحدهم هم المسئولون عن إيصال أغراضهم إلى مكان المسابقات، وهو ما ينطبق على دورة ألعاب باريس بالطبع. لكن بالنسبة لبعض الرياضات، يصبح الأمر أكثر تعقيداً.

رياضة الرماية: ربما تصبح رهن الاعتقال

تُنقَل البنادق في حقيبة صلبة، بينما تُنقَل الذخيرة في حاوية صغيرة منفصلة، ​​يجب إغلاق كل حقيبة بشكل محكم. يجب على اللاعب التأكد من أن شركة الطيران وإدارة أمن المطار يعرفون أنه مسافر وبرفقته أسلحة وذخائر، كما أنه لا بد أن تتطابق الأرقام التسلسلية الموجودة على الأسلحة مع تلك المثبتة على أوراق اللاعب.

المثير في قصة نقل معدات رياضة الرماية أن أصغر خطأ يمكن أن يسبب كارثة، فاللاعب الأولمبي ويل شانر الحائز على الميدالية الذهبية في مسابقة البندقية الهوائية في طوكيو كل ما فعله هو تغيير خط سير سفره في اللحظة الأخيرة، مما أدى إلى انتهاء صلاحية تصريح حمل السلاح الخاص به في اليوم السابق لعودته إلى الوطن، والنتيجة أنه قضى ساعات محتجزاً داخل زنزانة في مطار ميونخ، لم تكن تلك المرة الأخيرة التي احتُجز فيها شانر، فقد تكرر الأمر بعد أن كشفت الأشعة السينية رصاصة في حقيبته المحمولة!

الوثب بالزانة: الوثب بيقولك اتصرف

لا توجد قطعة واحدة من المعدات الرياضية تشبه قطعة الزانة، تخيل أن يتطلب منك الأمر السفر رفقة قطعة من ألياف الكربون المرنة بطول 17 قدماً. إذا كان الوثب بالزانة يتطلب الانضباط والثبات العقلي، فإن السفر بالزانة يتطلب الصبر والسحر.

يعتمد رياضيو تلك اللعبة على خبراتهم في اختيار شركات الطيران التي تعتبر الزانات معدات رياضية مقبولة، مع العلم أن سياسة تلك الشركات قد تتغير فجأة في منتصف المسابقات!

لا يتوقف الأمر عند شركة الطيران فقط، ففي المطارات نفسها يجب عليك أن توضح للجميع ماهية لعبتك؛ لذا بعض اللاعبين يتقنون ترجمة جملة «الوثب بالزانة» إلى خمس لغات من كثرة السفر مع وجود مقاطع فيديو لشرح اللعبة على الهاتف، هذا بالإضافة للتنقل بتلك الزانات من وإلى الفندق وأرض الملعب.

القوارب الشراعية: خطط طويلة الأمد

إن الخدمات اللوجستية اللازمة لنقل معدات رياضة الإبحار الشراعي لا تقارن بأي رياضة أخرى في الأولمبياد. ناكرا 17 هي واحدة من أشهر أنواع القوارب الشراعية، وهي سفينة متعددة الهياكل يبلغ طولها أكثر من 17 قدماً، وتزن أكثر من 300 رطل، ولها سارية تمتد 30 قدماً في الهواء. استغرق إرسال قارب ناكرا الخاص بالفريق الأمريكي المشارك في أولمبياد فرنسا ما يقرب من عامين من التخطيط.

فُكِّكت القوارب في الولايات المتحدة، وحُمِّلت في حاويات الشحن وشُحنت إلى فرنسا، وهناك على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، كان على البحارة إعادة بناء القارب، وتجميع الهياكل والعوارض والصاري وثلاثة أشرعة ودفتين بعناية، وجميع الخطوط التي تشكل الهيكل المعقد لناكرا 17.

بسبب طول وقت السفر لتلك المعدات وجدول المنافسة الضيق، تضطر الفرق غالباً إلى امتلاك قاربين أو ثلاثة قوارب بالتناوب، مما يضمن توفر أحدها للسباق عندما يكون الآخر في مرحلة الشحن.

الخيول: مهمة بقدر الفرسان

تعد فعاليات الفروسية من بين أهم الرياضات الجماعية في الألعاب الأولمبية، حيث تحتل الخيول مكانه لا تقل أهمية عن الفرسان أنفسهم، والجدير بالذكر أن الاثنين لا يسافران معاً.

سافر رياضيو الفروسية بشكل تقليدي إلى فرنسا، بينما سافرت خيولهم على متن طائرات شحن خاصة تديرها شركة Dutta Corporation، والتي جُهِّزت خصيصى لسفر الخيول، حيث كل وسائل الرفاهية التي تجعل الحصان سعيداً خلال خوضه تلك الرحلة.

تحتاج الخيول إلى جوازات سفر من أجل تلك الرحلات. أما فريق الفروسية فيحتاج ما هو أكثر من ذلك؛ قام فريق الفروسية الأمريكي بشحن حاوية بطول 20 قدماً مليئة بكل ما قد يحتاجه كل من الخيول والفرسان أثناء إقامتهم الأولمبية، وفي ذلك صندوق بيطري وآلة لصنع القهوة، الحاوية مكيفة وستكون بمثابة مساحة عمل للفريق في موقع المنافسة.

يمكن أن تصاب الخيول باضطراب الرحلات الجوية الطويلة مثل البشر تماماً، هذا بالإضافة إلى حمى الشحن، وهي عدوى بكتيرية شائعة يمكن أن تؤثر على رئتيها. لذا سافرت بعض الخيول إلى باريس قبل ثلاثة أشهر أو أربعة من بدء الأولمبياد تجنباً لمفاجآت السفر.

الآن ربما عليك أن تقدر تماماً هذا المجهود المبذول من لاعبي الرياضات الأولمبية، قبل حتى أن تبدأ المسابقات، وربما هذا يفسر لك أيضاً لماذا ينهمر الأبطال في البكاء بمجرد التتويج، إنها أعوام من التدريب والتخطيط والنقل والتجارب العجيبة أيضاً!

# أولمبياد باريس # باريس 2024

ديمقراطية أم استبداد: كواليس النجاح الأولمبي
باريس 2024: من يدفع ضريبة تنظيم الأولمبياد؟
إيمان خليف: القاضية ممكن … والذهب أيضًا

رياضة